أثبتت الدراسات أن معظم أنواع المقبلات التي يتناولها الأطفال غير صحيّة كونها تفتقر إلى جميع الفيتامينات والبروتينات والمعادن التي يحتاجها الطفل في رحلة نموّه،هذا ما أكدته الدكتورة رندة السمّان-طبيبة مشرفة في مشفى الأطفال- وأشارت إلى أن هذه الأطعمة ولاسيما المقلية بالزيت أنواع تحتوي نسباً كبيرة من الدسم المشبعة والمهدرجة والتي يسبب تراكمها في جسم الطفل على المدى البعيد أمراضاً خطرة . لافتة إلى أن تناول كمية قليلة جداً من المقبلات تحتوي نسباً عالية من الحريرات والأملاح مثل: (الشيبس والفشار .. الخ) إضافة إلى احتوائها المحليات الصنعية والكريمة وهذه جميعها مكونات من حيث تركيبها الغذائي- غير صحّية.
وقالت: إن المواد المضافة كالملونات والمواد الصبغية تسبب عادة الحساسية وترتبط بأمراض كالربو والأكزيما والشرى ومتهمة أيضاً بإصابة متناولها بأمراض سرطانية على المدى البعيد، وقد تسبب امتناع الطفل عن تناول وجباته الأساسية من الطعام وفقدان شهيته.
وفي تحري الجراثيم الممرضة وغير الممرضة في حليب الأطفال في سورية لعام 2011 حوّلت للمخبر 359عينة 3 منها فقط غير مقبولة، وأيضاً في دراسة الحليب حولت 16 عينة أظهرت النتائج ثلاث عينات مخالفة. أما في الربع الأول من 2012 فحولت 4 عينات لتحري الجراثيم الممرضة وغير الممرضة من أغذية الأطفال و 81 عينة من حليب الرضّع وكانت جميع العينات مطابقة للمواصفات أما نتائج فحص 12 عينة في مخبر مراقبة الأغذية الكيميائي تحت مسمى أغذية أطفال أظهرت 6 منها مرفوضة و250 عينة حليب أطفال جميعها مطابقة.
أما في مخابر وزارة الاقتصاد فلم نستطع الحصول على نتائج الـ2011 نتيجة خلل أصاب الكمبيوتر-حسب موظفة الحاسب- وضاعت جميع البيانات المحفوظة.
بينما حولت للمخبر المذكور في العام الحالي وحتى تاريخ 20/5/2012 عشر عينات للشيبس وواحدة من الحليب المعقم 9 عينات من المصنوعات السكرية المخصصة للأطفال ونتائج تحليل جميع هذه العينات مطابقة، أما المخالفات فكانت في عينات الحليب المضاف إليه النكهات الصنعية (كالموز والفريز)
هم الملوثات.. ونتائجها
من جهة ثانية تتكون أغذية الأطفال بين السنتين حتى 12سنة من الحليب والحبوب والخضروات وجميعها تتعرض لملوثات خطرة، حسب ما أكده خبير سلامة الغذاء عبد اللطيف البارودي وقال: إن بقايا المبيدات التي ترش بها الخضروات والحبوب تدخل في مساحيق وخلطات أغذية الأطفال, لها أثر تراكمي في أعضاء الجسم المختلفة, فالمعادن الثقيلة تتراكم في مخ العظام أو الكبد أو المثانة وتسبب مع الوقت -عندما تصل في الجسم لنسب عالية- أمراضاً خطرة وسرطانية، وتسبب أمراضاً خبيثة، كذلك المضافات الغذائية كالأصبغة والملونات ومضادات الأكسدة والمواد الحافظة تعدّ مواد خطرة على صحة الطفل بعد تناولها.
طرق العرض..المتهم الأول
ولا يقتصر الضرر في كون هذه الأغذية في طبيعتها غير صحية وإنما يضاف إلى ذلك تعرضها للتلوث إما في المعامل أو أثناء التخزين والعرض والتسويق الخاطئ خارج المحّال التجارية وتحت أشعة الشمس.
وفي دراسة إحصائية ومسح لمعامل مقبلات الأطفال أجراها البارودي شملت 14 محافظة، اعتمدت على سحب العينات من الأسواق والمعامل والأغذية المستوردة بهدف البحث عن البيروكسايد، وجاءت النتيجة أن 95 % من العينات المأخوذة من المعامل سليمة، وكانت العينات المخالفة هي في البضائع المعروضة في الشوارع. وأشارت السمّان إلى أن الملوثات الجرثومية التي تنشأ من طرق تحضير أغذية الأطفال وتصنيعها بطرق غير صحيّة تسبب اضطرابات هضمية وإسهالات بالدرجة الأساسية وتسبب طريقة الخزن والتسويق السيئة لهذه المنتجات لاسيما أثناء الصيف حيث ارتفاع درجات الحرارة تخمرات داخل أكياس الشيبس وعلب الحليب ما يزيد من خطورة هذه التخمرات على صحة الأطفال.
ويشير البارودي أيضاً إلى أن مقبلات الأطفال ولاسيما المقلية بالزيت (كالشيبس والفشار) في حال وجود نسب عالية من مضادات الأكسدة وتعرضها لأشعة الشمس تصبح مادة البيروكسايد عالية جداً وتسبب أذى لكبد الطفل.
بدوره أشار يحيى الخالد مدير الشؤون الفنية في وزارة الاقتصاد والتجارة إلى أن معظم مخالفات الشيبس في العينات المحولة لمخابر الوزارة في ارتفاع مادة البيروكسايد (تزنّخ) مبيناً أن التخزين بنسب رطوبة عالية وتعريض الشيبس لأشعة الشمس هو السبب في حدوث هذه المخالفات كذلك الأمر بالنسبة لمخالفات المنتجات التي يدخل الحليب في تصنيعها وهذا لا يعني أن المعامل بريئة من المخالفات.
المعامل غير بريئة
يحدث التلوث في أغذية الأطفال بطرق التخزين الخاطئة والعرض بأشعّة الشمس- حسبما ذكر- ولكن ذلك لا يعني أن بعض المعامل والمصانع لا تقوم بالمخالفات ففي ظل ارتفاع أسعار السكر يلجأ الكثير من الصناعيين لاستخدام المحليات الصنعية ذات التركيب الكيماوي (كالأسبارتام والسكرين) وهي قادرة على التحلية أكثر بـ 300 مرة من السكر الطبيعي وفي ذلك يقول البارودي: عندما يكون السكرين قادراً على التحلية أكثر من السكر 300% يلجأ الصناعي لاستخدامه عوضا عن السكر لاسيما عند ارتفاع أسعاره وهذه المحليات مخصصة لمرضى السكري فضلاً عن أنها عرضة للملوثات وهنا يكمن الخطر في استخدامها.
وأضاف: من ناحية أخرى تكون المخالفة في المعامل من خلال استخدام الملونات والصبغيات الصنعية بمعايير غير دقيقة وزيادة جرعة الملونات يسبب الضرر.
حاولنا الحصول على المزيد من المعلومات حول مخالفات معامل أغذية الأطفال إلا أن جميع من التقيناهم تهربوا من الإجابة على أي سؤال يخص المعامل والمصانع وبقيت الإجابات ضبابية حول مدى مخالفة المعامل للمواصفات, وأين تحدث هذه المخالفات؟ حيث قال هاني الشيباني- مدير السلامة الغذائية في وزارة الصحة: لا يمكن تحديد مصدر تلوث أغذية الأطفال وأسبابه هل في المعامل أم في طرق التخزين والعرض؟ بينما أشار الخالد إلى أن الخلل في التخزين والتسويق رغم أن المخابر لا تقوم بفحص المادة الأولية في المعامل وإنما يتم فحص المنتج النهائي فقط. ولم نعلم لماذا هذا الخوف من التصريح بمعلومات حول وضع المعامل ومدى التزامها بالمواصفات القياسية؟ لا يأتي هذا التساؤل من باب اتهام المعامل وإنما إذا كانت معامل تصنيع المقبلات وأغذية الأطفال بهذه الجودة العالية لماذا لا نشهد لها انتشاراً في دول الجوار أو دول الخليج مثلاً، وفي حال عدنا بالذاكرة لردود أفعال الصناعيين على دخول منتجات عربية نجد أنها ردة فعل الصناعي غير القادر على المنافسة، فلم هذا التكتم على مخالفات المعامل والمصانع؟؟
أساليب عقيمة
تتعدد الجهات المراقبة للأغذية بشكل عام وأغذية الأطفال بشكل خاص وعن أساليب مراقبة الغذاء أوضح أحمد طارق صرصر مدير الشؤون الصحية في محافظة دمشق أن المراقبين الصحيين يقومون بجولات يومية في أسواق المحافظة ويصادرون المواد المكشوفة التي تباع على البسطات من قبل دوريتي المصادرات الصباحية والمسائية (ضمن الإمكانات المتاحة) ويتم إتلاف الفاسد منها وتسليم المواد الصالحة للاستهلاك لمديرية دار الكرامة إضافة لبرنامج قطف العينات بشكل دوري ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالف والمنشأة التي قطفت منها العينة بعد صدور نتائج التحليل وإثبات مخالفتها، ويتم استصدار قرار بإغلاق المنشأة المخالفة إذا كانت ضمن الحدود الإدارية لدمشق ومخاطبة المحافظة التي تقع ضمنها المنشأة اذا كانت خارج حدودها.
من جانبه قال الشيباني إن وزارة الصحة تسير دوريات إما بشكل روتيني بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة كحماية المستهلك والبلديات وتقوم بقطف العينات العشوائية من أغذية الأطفال وترسل لمديرية المخابر المركزية التابعة لوزارة الصحة.
أما بالنسبة للمحافظات فترسل العينات لمخابر مديريات الاقتصاد وعند وجود حالات تسمم غذائي أوحالات إسهال تقوم الوزارة بفحص المرضى ومعرفة المادة الغذائية التي سببت التسمم، وعند وجود غذاء ملوث تقوم بالاتصال بالجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
الجهات الرقابية..عاجزة عن الرقابة!!
وفي ظل هذه المخاطرة المباشرة من أغذية الأطفال على سلامة متناوليها لابد من السؤال عن مدى فعالية أجهزة رقابة الأسواق, وحول ذلك قال البارودي: لم تعد الأساليب التقليدية ناجعة، فلا مراقبة المعمل ولا جمع العينات من السوق وتوجيهها للمخابر والبحث عن القرائن التي نعتبرها ملوثة كبقايا المبيدات أو الافلوتوكسين أو المضافات الغذائية، فهذه الأساليب أصبحت عقيمة وقديمة. نظراً لتعدد المعامل والمناطق الجغرافية والانتشار السريع للبضاعة داخل الأسواق. كلها أسباب تجعل من الأجهزة الرقابية عاجزة عن ضبط الموضوع بشكل آمن والتأكد من وجود مواد غير مخالفة.
ويضيف البارودي: في الدول المتقدمة تعطى الأولوية للرقابة المسبقة والوقائية, كونها تجنب المعامل الوقوع بالخطأ وتعريض الغذاء للتلوث لأن حصول ذلك يعني إتلاف الغذاء وسلسلة من الخسارات المادية والصحية بعد تناولها ومن هذا المبدأ يجب أن يكون الغذاء مراقباً ابتداءً من الحقل حتى طاولة الطعام.
غياب الإحصاء والتوثيق
وقال البارودي: للوقوف بشكل فعلي على أسباب تلوث أغذية الأطفال لابد من وجود ربط بين المشافي والجهات الرقابية من جهة ووجود إحصاءات دقيقة لدى الطرفين من جهة أخرى، والحلقة الأولى هي المشافي التي من خلال إحصاءاتها وعدد الوفيات وأسبابها نستطيع الحصول على دراسات، مطالباً بإجراء التحاليل للمريض، لمعرفة هل التلوث جرثومي أم كيماوي؟ وأين حدث التلوث والتسمم ليتم ضبط الموضوع وعدم تكرار الخطأ مرة أخرى؟ ولكن ماذا يوجد لدينا على أرض الواقع؟
في زيارة لمشفى الأطفال للحصول على إحصاءات أو أعداد الأطفال المتسممين أو حالات التهاب الأمعاء والاسهالات الناتجة عن تناول الطفل لواحدة من هذه الأغذية كانت الإجابة على لسان الدكتور عدنان حسن رئيس قسم الإسعاف بأن هذه الإحصاءات غير متوافرة ولا توجد في المشفى التحاليل والفحوصات اللازمة لمعرفة سبب التسمم أو الإسهال، مشيراً إلى أن هذه التحاليل مكلفة جداً لذا يقوم المشفى بدوره الطبي فقط من خلال علاج الطفل وهذه الحالات غالباً تظهر نتائجها ما بين6 إلى 24 ساعة ويتم إدخال الطفل المشفى لحين تحسنه.
وأشار أسامة عبد الواحد- طبيب مقيم في المشفى ذاته إلى عدم توافر الفحوصات والتحاليل اللازمة لمعرفة المادة التي سببت التسمم أو الإسهال أو الإنتان للطفل ولا توجد إحصاءات تدل على أي المواد المؤثرة على صحته، وإذا أردنا الحصول على أي إحصاء فيجب العودة للسجلات الورقية حيث لا تتوافر معلومات مؤتمتة توفر سرعة الحصول على المعلومات اللازمة في المشفى.
وفي مشفى الأطفال أيضاً ظهرت مرة أخرى ظاهرة الخوف من توجيه التهمة لمُنتج معين أو مادة معينة بعينها فلا يمكن-حسب حسن- توجيه الاتهام لأي جهة فهذا يحمّل المشفى مسؤولية هي بالغنى عنها وقد تصل إلى المتابعة القضائية من الجهة المصنعة للمادة المخالفة.. كان الطبيب صريحاً أكثر من الجهات الرقابية فذكر لِمَ لا يستطيع توجيه الاتهام لمادة سببت التسمم فهو يكتفي بعلاج المريض وهذا ضمن واجباته.. ولكن ما واجبات الجهات الرقابية؟
أما في مركز السموم الوطني و حسب الدكتور ماهر قولي-طبيب في مركز السموم- وبالرغم من أن الإحصاءات الواردة إلى المركز تشكل 30% فقط من الواقع لعدم وصول جميع استمارات التسمم للمركز، شكلت نسبة التسممات الغذائية للأطفال في عام 2009 حتى عمر 15 سنة 44.6% من نسب التسممات في عام 2010 و57.1% ولا من دون توافر معلومات لدى المركز حول المادة التي أحدثت التسمم.
المخابر..أرقام خجولة.
الطفل بحالة تطور دائم وجسمه بحاجة إلى بروتينات وفيتامينات وأملاح ليكتمل نموه بشكل سليم (جسدياً وعقلياً) لذا التشدد في مراقبة غذائه- وحسب البارودي- نابع من أهمية هذا الأمر وعملاً بأحكام المرسوم رقم 111 الذي أوكل لوزارة الصحة مهمة مراقبة أغذية الأطفال بدءاً من المعمل بما تحتويها من مطاحين الحبوب ومضافاتها من الفواكه والخضراوات والتمور والحليب التي يخضع لها الدواء. وكذلك الأمر بالنسبة لأغذية الأطفال المستوردة ولكن الإحصاءات في مخابر وزارة الصحة تشير إلى غير ذلك ففي مخبر جراثيم الأغذية والمياه وجدنا أنه في العام 2011 تم تحويل 49عينة فقط لتحري الجراثيم الممرضة وغير الممرضة في أغذية الأطفال فكانت المخالفة منها 2 والمقبولة 47 عينة بينما أوضحت بيانات المركز أن الربع الأخير من العام الماضي لم يشهد تحليل أي عينة.
لماذا لا نحترم الغذاء أكثر؟!
يطرح البارودي في نهاية حديثه عدة تساؤلات: بما أن الغذاء يأخذ نسبة 60% من اهتمام الإنسان ومن دخله، أفلا يجب أن يكون هناك هيئة متخصصة بسلامة الغذاء وتنحصر فيها متابعة سلامة الغذاء بكل أنواعه؟ ولم لا تكون هناك خطّة منهجية وإحصاءات نستطيع من خلالها ضبط موضوع الغذاء؟ لدينا التشريع ولكن غير مطبق، ولدينا القدرات البشرية، ولكن نفتقد للآليات والاستراتيجيات الصحيحة للمراقبة والمتابعة. فكما يتم الاهتمام بالمرضى في المشافي يجب الاهتمام بالغذاء، وهذان الإجراءان مرتبطان ارتباطا وثيقا بالاقتصاد وبالهدر، فلو تم حساب تكاليف الأدوية في المشافي وحساب الأغذية التالفة لوجدنا أن تطبيق الآليات الصحيحة أوفر بكثير منها.
ويطرح البارودي سؤالا حول قانون سلامة الغذاء الذي أقر ولم ينفذ. فالقرارات ووضعت، فلمَ لا يتم التنفيذ؟ فقد توقف القانون في أدراج وزارة الاقتصاد والأسباب إلى الآن مجهولة. فلمَ لا نحترم الغذاء أكثر؟؟
مصدر المقالة http://vet.globalforvet.com/news/2324.html
إرسال تعليق